روائع مختارة | قطوف إيمانية | في رحاب القرآن الكريم | تأملات قرآنية في اسمه تعالى ـ العزيز ـ

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
روائع مختارة
الصفحة الرئيسية > روائع مختارة > قطوف إيمانية > في رحاب القرآن الكريم > تأملات قرآنية في اسمه تعالى ـ العزيز ـ


  تأملات قرآنية في اسمه تعالى ـ العزيز ـ
     عدد مرات المشاهدة: 2918        عدد مرات الإرسال: 0

فإن العزة لله جميعًا

ما أحوجنا نحن أمة الإسلام أن نحاول التعرف إلى الله ونتلمس عزتنا ورفعتنا عنده فهو العزيز القائل سبحانه فى كتابه العزيز: {قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ ۖ بِيَدِكَ الْخَيْرُ ۖ إِنَّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [آل عمران:26].

فجزء كبير من حياتنا يتعلق بكرامتنا، بل لعل الكرامة هى الشيء الذي يحرص عليه المسلم لتكون نبراسًا لخطوات حياته، فإذا كنا مع العزيز وعبدناه ودعوناه بهذا الاسم ستكون لنا العزة والكرامة.

اجعل لربك كل عز *** ك يستقر ويثبت

فإذا إعتززت بمن يمو*** ت فإن عزك ميت

ومن المسلَّمات أنه لا يعرف الله إلا الله، فحتى الأنبياء والرسل المصطفين من الملائكة والبشر لا يحيطون به علمًا، وإنما كل الجهد يُبذل حتى نحاول أن نصل إلى كمال صفات العبودية التى حققها رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم وأمرنا الله أن يكون قدوة لنا.. وقد حكم الخالق القدير بأن العزة له سبحانه ولرسوله وللمؤمنين.

وقد أرشدنا الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم أن لله تسعة وتسعون إسمًا، وأن من أحصاها دخل الجنة، ووضح لنا أيضًا فى الحديث الصحيح أن أسماء الله ليست محددة بعدد، وللعلماء تصنيفات فى هذه الأسماء العليّة، فمنها أسماء تنزيه، ومنها أسماء ذات، وأسماء صفات وأسماء أفعال.

وبعد هذه المقدمة السريعة عن أسماء الله تعالى نحاول أن نتأمل في بعض معانى اسمه تعالى -العزيز- التى وردت فى آيات كتابه والتى إختصت بذكرهذا الاسم مقترنًا بقدرة الله عز وجل على إيقاع العقاب على من يخالف أوامره فجاءت خواتيم بعض الآيات بالتأكيد على أن الله عزيز ذو إنتقام.

¤ معاني العزيز:

1= العزيز كإسم من أسماء الله تعالى هو الذي له الكمال في كل أسمائه وصفاته وأفعاله، ونحن نعلم أن الشىء النادر قليل الوجود يسمى عزيزًا، فكيف بالذي يستحيل على العقل أن يصدق أن له نظير؟..وهو من هذا الجانب من أسماء التنزيه.

2= العزيز هو الغالب الذى لا يُغلب، وهو بهذا المعنى من أسماء الصفات، فالقاهر الذى إنتصر -ويمكن أن يُغلب- يسمى عزيزًا، فكيف بالقاهر الذى لا يمكن أن يغلب، {وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ}  [يوسف:21].

3= العزيز بمعنى المعز: {وتعز من تشاء}.. وهو بهذا المعنى يعني أن العزيز هو القوى الشديد، فالقادر الذي قد يضعف يسمى عند الناس عزيزًا، فكيف بالقادر الذي يستحيل أن يضعف؟.. وهو بهذا المعنى من أسماء الصفات أيضا قال تعالى: {فعززنا بثالث}.

تلك المعانى التى تفضل علماؤنا الأفاضل بالحديث عنها، وقال بعضهم: العزيز من ضلت العقول فى بحار عظمته، وحارت الألباب دون إدراك نعمته، وكلت الألسن عن وصف كمالاته ووصف جماله.

* عزيز ذو انتقام:

ورد قوله سبحانه: {والله عزيز ذو إنتقام} فى الآية الرابعة من سورة آل عمران، وفى الآية الخامسة والتسعين من سورة المائدة، وقد سبق حرف الواو- الذي هو حرف عطف يفيد الجمع بين ما قبله وما بعده- لفظ الجلالة فيهما، ففى آية آل عمران للدلالة على أن الذين كفروا بآيات الله بعد إنزالها وبيانها لهم عذاب شديد، وفى آية المائدة للدلالة على أن من يعود إلى معصية الله متعمدًا بعد بيان الأحكام فإن الله ينتقم منه.

وورد قوله سبحانه: {إنَّ الله عزيز ذو إنتقام} فى الآية السابعة والأربعين من سورة إبراهيم، قال تعالى: {فلا تحسبن الله مخلف وعده رسله إن الله عزيز ذو إنتقام}.. ومن المعلوم أن -إنَّ تفيد التوكيد- فجاءت للدلالة على أن الله عز وجل لا يمكن أن يخلف وعده لرسله، بل إن زوال الكون كله أهون على الله من أن يخلف وعده لرسله.

ثم ورد قوله سبحانه: {أليس الله بعزيز ذى إنتقام} فى سورة الزمر آية 37 تعقيبا على أنه سبحانه يكفي عبده ويحفظه وأن بيده الهداية، وأنه غالب على أمره، وجاء بصورة الإستفهام التقريري.. قال تعالى: {أليس الله بكاف عبده ويخوفونك بالذين من دونه ومن يضلل الله فما له من هاد*ومن يهد الله فما له من مضل أليس الله بعزيز ذي انتقام} [الزمر:36-37].

يقول الدكتور راتب النابلسي: علاقة هذا الاسم العظيم بسياق هذه الآية؟ تقتضي عزَّته أن ينصر المؤمن، تقتضي عزَّته أن يرفع شأن المؤمن، تقتضي عزَّته ألا يحتاج المؤمن خَصْمِهِ، تقتضي عزَّته ألا يجعل للكافر على المؤمن سبيلاً، تقتضي عزَّته أن يذلَّ الكافر، تقتضي عزَّته أن يُعاقب الكافر، تقتضي عزَّته أن يُحْبِطَ عمل الكافر: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ} [الأنفال:36].

ألا ترون في التاريخ كم هي المحاولات التي أرادت إطفاء نور الله؟ كم هي المحاولات التي أرادت استئصال الإسلام من جذوره؟ والمحاولات تجري.. { َقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ } [إبراهيم:46]، ومع ذلك الله مع المؤمنين، وهذا الدين يزداد قوّةً على قوَّة: {أَلَيْسَ اللَّهُ بِعَزِيزٍ ذِي انْتِقَامٍ} موسوعة النابلسي للعلوم.

¤ عزة المسلم:

1) تحقيق المسلم للعزة ينطلق بداية من علم ويقين بقوله تعالى: {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ} [المنافقون:8].. فعزة المؤمن حتمية يقررها العزيز جل وعلا، إنها عزة لا تتأثر بالأحداث الأرضية، وإنما تستند على الصلة بالمعز المذل سبحانه.

2) ومن هنا فإن إبتغاء العزة لا يكون إلا عند الله ومنه، تمامًا كإبتغاء الرزق، والبعض يسعى إلى رفع الذل عن الأمة بالإرتماء في أحضان أعداء الإسلام، والتذلل لهم لكسب مودتهم، والإحتماء بقوتهم، فكانت النتيجة هي ما تتجرع الأمة مرارته من ذل وهوان، ونهب مستمر لثرواتها، وهدم متواصل لعوامل القوة فيها، ولا غرابة في نتيجة هذا الإتجاه، لأنها نتيجة متوقعة، حيث ذم الله تعالى من يتخذ ذلك طريقاً لعزة المسلمين، وبيّن أنه لا يحقق العزة الحقيقية فقال سبحانه: {الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِندَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ العِزَّةَ لِلّهِ جَمِيعاً}، قال ابن جرير الطبري رحمه الله تعالى: يقول الله لنبيه صلى الله عليه وسلم: يا محمد، بشِّر المنافقين الذين يتخذون أهل الكفر بي والإلحاد في ديني أولياء: يعني أنصاراً وأخلاء من دون المؤمنين... {أَيَبْتَغُونَ عِندَهُمُ الْعِزَّةَ} يقول: أيطلبون عندهم المنعة والقوة باتخاذهم إياهم أولياء من دون أهل الإيمان بي، {فَإِنَّ العِزَّةَ لِلّهِ جَمِيعاً} يقول: فإن الذين اتخذوهم من الكافرين أولياء إبتغاء العزة عندهم هم الأذلاء الأقلاء، فهلا إتخذوا الأولياء من المؤمنين، فيلتمسون العزة والمنعة والنصرة من عند الله الذي له العزة والمنعة، الذي يعز من يشاء، ويذل من يشاء، فيعزهم ويمنعهم، موقع إمام المسجد.

3) الذلة للمؤمنين والعزة على الكافرين: هذه من صفات القوم الذين يحبهم الله ويحبونه، قال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ}[ المائدة:54].

4) صيانة النفس، قال صلى الله عليه وسلم: «لا ينبغي لمؤمن أن يذل نفسه، قالوا: وكيف يذل نفسه؟ قال: يتعرض من البلاء ما لا يطيق» السلسلة الصحيحة.

5) طاعة الله تعالى والقرب منه والإتصال به هي الطريق الحقيقي نحو العزة.

6) الإستغناء عن الناس، والترفع عن السؤال، أو النظر إلى ما عند الآخرين من زهرة الحياة الدنيا، وفي الحديث: «واعلم أن شرف المؤمن قيامه بالليل وعزه إستغناؤه عن الناس» رواه الحاكم والبيهقي وحسنه المنذري والألباني.

الكاتب: تهاني الشروني.

المصدر: موقع رسالة المرأة.